مبادرة ض التطوعية

مدينة الحكايات

خلاصة القصة

“رحلة البحث عن الخيال: استكشاف قصة “مدينة الحكايات


هذه القصة عن مدينة لم تجد من يروي فيها الحكايات والقصص الشيقة التي تغني العقل والذهن، إلى أن قامت دعاء بصحبة طفلة صغيرة بنشر موجاتٍ من القصص الممتعة، اقرأ وتابع هذا التحول المدهش في هذه القرية.

كَانَ يَا مَا كَانْ، فِي مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ وَمُزْدَحِمَةٍ، كَانَتْ تَعِيشُ طِفلَةٌ صَغِيرَةٌ.

كَانَتْ تُحِبُّ الْحِكَايَاتِ، وَلَكِنَّ كُلَّ مَنْ حَوْلَهَا اِنْشَغَلُوا بِأُمُورِ حَيَاتِهِمِ الشَّخْصِيَّةِ. تُخْبِرُهَا وَالِدَتُهَا أَنَّهَا تَقُومُ بِأَعْمَالِ الْمَنْزِلِ، وَيُخْبِرُهَا وَالِدُهَا أَنَّهُ مَشْغُولٌ بِقِرَاءَةِ الصَّحِيفَةِ.

يُخْبِرُهَا أَخُوْهَا: أَلَا تَرَيْنَ أَنَّنِي أَلْعَبُ الْكُرَةَ مَعَ أَصْدِقَائِي؟!

 وَتُخْبِرُهَا جَارَتُهَا أَنَّهَا سَتَذْهَبُ لِلسُّوقِ لِتَشْتَرِيَ أَغْرَاضَ الْمَنْزِلِ.

تُخْبِرُهَا مُعَلِّمَتُهَا: عَلَيْكِ أَنْ تَقُومِي بِحَلِّ هَذِهِ الْمُعَادَلَاتِ أَوَّلًا!

كَانَ الْكُلُّ مَشْغُولًا بِشَيْءٍ مَا، وَكَانَ كُلُّ مَنْ تَعْرِفُ مُنْهَكًا أَوْ مُنْزَعِجًا، وَلَيْسَ لَدَى أَحَدٍ مَا يَكْفِي مِنَ الْوَقْتِ لِيَحْكِيَ لَهَا حِكَايَةً.

فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ جَاءَتْ فَتَاةٌ تُدْعَى دُعَاءُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ. لَمْ تَكُن دُعَاءُ مُعَلِّمَةً وَلَا طَالِبَةً، كَانَتْ أَكْبَرَ مِنَ الطُّلَابِ وَأَصْغَرَ مِنَ الْمُدَرِّسَاتِ، كَانَتْ ذَاتَ ابْتِسَامَةٍ رَقِيقَةٍ، وَعُيُونٍ دَافِئَةٍ. الْكُلُّ يُحِبُّ دُعَاءً، فَهِيَ صَدِيقَةُ التَّلَامِيذِ وَالْمُعَلِّمِينَ.

يَوْمًا مَا، سَأَلَتِ الطِّفْلَةُ دُعَاءَ عَلَىْ خَجَلٍ: هَلْ لَدَيْكِ بَعْضُ الْوَقْتِ حَتَّى تَحْكِينَ لِي حِكَايَةً؟

أَجَابَتْهَا دُعَاءُ بِسَعَادَةٍ: بِالطَّبْعِ سَأَحْكِي لَكِ حِكَايَةً. أَيُّ أَنْوَاعِ الْحِكَايَاتِ تُحِبِّينَ؟

غَمَرَتِ الطِّفْلَةَ الْفَرْحَةُ وَسَأَلَتْهَا: هَلْ يُمْكِنُ أَنْ تَحْكِي لِي حِكَايَةً عَنِ الْأَسَدِ؟

جَلَسَتْ دُعَاءُ وَالطِّفْلَةُ فِي حَدِيقَةِ الْمَدْرَسَةِ، وَأَخَذَتْ دُعَاءُ تَحْكِي لَهَا حِكَايَةً عَنْ أَسَدٍ صَغِيرٍ ضَاعَ فِي الْغَابَةِ. جَلَسَتِ الطِّفْلَةُ تُنْصِتُ بانْتِبَاهٍ وَهُدُوءٍ.

حَكَتْ دُعَاءُ الْحِكَايَةَ بِطَرِيقَةٍ جَذَّابَةٍ جَعَلَتْ الطِّفْلَةَ تَشْعُرُ بِأَنَّهَا مَعَ الْأَسَدِ فِي الْغَابَةِ. شَعَرَتِ الطِّفْلَةُ بِالرِّيَاحِ وَهِيَ تَمُرُّ خِلَالَ الْأَغْصَانِ، وَسَمِعَتْ صَوْتَ الْحَشَائِشِ وَهِيَ تَهْتَزُّ، وَشَعَرَتْ بِنُعُوْمَةِ فَرْوِ الْأَسَدِ الصَّغِيرِ.

تَرَكَ الْأَطْفَالُ اللَّعِبَ وَتَجَمَّعُوا حَوْلَ دُعَاء لِيَسْتَمِعُوا إِلَى الْحِكَايَةِ، وَفِي لَحَظَاتٍ، دَخَلُوا مَعَ الطِّفْلَةِ فِي الْعَالَمِ الْخَيَالِيِّ.

وَخِلَالَ دَقَائِقَ، كَانَ الْفَصْلُ بِأَكْمَلِهِ يَجْلِسُ حَوْلَ دُعَاء، يَسْتَمِعُوْنَ إِلَى الْحِكَايَاتِ الْجَمِيلَةِ، وَيَتَخَيَّلُونَ الْمُغَامَرَاتِ الشَّيِّقَةَ، وَيَطْلُبُونَ مِن دُعَاء أَنْ تَحْكِيَ لَهُمُ الْمَزِيدَ مِنَ الْحِكَايَاتِ، وَبِالفِعْلِ كَانَ لَدَى دُعَاءٍ الْعَدِيدُ وَالْعَدِيدُ مِنَ الْحِكَايَاتِ الشَّيِّقَةِ.

كَانَ لَدَيْهَا الْعَدِيدُ مِنَ الْحِكَايَاتِ الشَّيِّقَةِ، حِكَايَاتٌ عَنِ الْقِرَدَةِ وَالطُّيُورِ، عَنِ الْكِلَابِ الْمُفْتَرِسَةِ وَالْقِطَطِ الْعَنِيدَةِ، عَنِ الْأَسْمَاكِ فِي الْأَنْهَارِ وَالْمُحِيطَاتِ، عَنِ الْجِبَالِ الْمُرْتَفِعَةِ وَالسُّهُولِ الْخَضْرَاءِ، عَنْ أَطْفَالِ الْمُدُنِ الْوَاسِعَةِ، وَأَطْفَالِ الْقُرَى الْهَادِئَةِ، حِكَايَاتٌ عَنِ الْمُغَامَرَاتِ وَالأَسْرَارِ، عَنِ الْمُلُوكِ الشُّجْعَانِ وَالْأَمِيْرَاتِ الْحَسْنَاوَاتِ، عَنِ الْكُنُوزِ الْمَدْفُوْنَةِ، عَنِ الْحُزْنِ وَالْفَرَحِ وَالْبَهْجَةِ، وَالْكَثِيْرُ مِنَ الحِكَايَاتِ الأُخْرَى.

تَجَمَّعَ أَطْفَالُ الْفَصْلِ حَوْلَ دُعَاءٍ كُلَّ يَوْمٍ، لِيَسْتَمِعُوا إِلَى حِكَايَةٍ جَدِيدَةٍ، ثُمَّ جَاءَ أَطْفَالُ الفُصُولِ الْأُخْرَى، وَمُعَلِّمُو الْمَدْرَسَةِ، وَأَطْفَالُ الْمَدَارِسِ الْمُجَاوِرَةِ، وَحَتَّى الْأَطْفَالُ الصِّغَارُ الَّذِينَ لَمْ يَذْهَبُوا بَعْدُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ، جَاؤُوا لِيِسْتَمِعُوا إِلَى حِكَايَاتِ دُعَاء.

اِسْتَمَعَ الْأَطْفَالُ إِلَى الْحِكَايَاتِ، بَعْضُهُمْ كَانَ جَالِسًا، وَبَعْضُهُم كَانَ وَاقِفًا، وَاسْتَلْقَى الْأَطْفَالُ الصِّغَارُ مِنْهُمْ عَلَى الْأَرْضِ وَاضِعِينَ رُؤُوْسَهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ. تَعَلَّمَ الْأَطْفَالُ مِنْ دُعَاء أَنْ يَحْكُوا الْحِكَايَاتِ لِبَعْضِهُمُ الْبَعْض.

تَعَلَّمُوا مِنْ دُعَاء كَيْفَ تَصْنَعُ الْحِكَايَةَ، وَتَحْكِيَ أَحْدَاثَهَا بِسَلَاسَةٍ، وَتَصِفُ الشَّخْصِيَّاتِ بدِقَّةٍ، وَكَيْفَ تَطِيرُ بِأَذْهَانِ الْمُسْتَمِعِينَ إِلَى عَوَالِمِ الْخَيَالِ. تَعَلَّمَ الْأَطْفَالُ كَيْفِيَّةَ صِنَاعَةِ حِكَايَةٍ شَيِّقَةٍ، تَجْذِبُ انْتِبَاهَ الْمُسْتَمِعِينَ، وَتَأْسِرُ عُقُوْلَهُمْ، وَتَرْبِطُهُمْ فِي عَالَمِهَا مِنَ الْبِدَايَةِ وَحَتَّى النِّهَايَةِ.

بِسَبَبِ دُعَاءٍ وَالأَطْفَالِ، اِنْتَشَرَتِ الْحِكَايَاتُ فِي الْمَدِينَةِ، وَبَدَأَ سُكَّانُ الْمَدِينَةِ تَبِادُلَ الْحِكَايَاتِ. تَوَقَّفَتِ الْأُمَّهَاتُ عَنِ الْعَمَلِ، وَوَضَعَ الْآبَاءُ الصُّحُفَ جَانِبَاً، كَمَاْ تَوَقَّفَتِ الْمُعَلِّمَاتُ عَنْ حَلِّ الْمُعَادَلَاتِ،وَ تَوَقَّفَ الْجِيْرَانُ عَنِ التَّسَوُّقِ، وَتَوَقَّفَ الصِّبْيَانُ عَنْ لَعِبِ الكُرَةِ، وَتَوَقَّفَتِ الفَتَيَاتُ عَنِ اللَّعِبِ بِالْعَرَائِسِ، وَأَخَذَ الكُلُّ فِي اللِّقَاء وَالْاسْتِمَاعِ إِلَى الْحِكَايَاتِ.

تَوَقَّفَ التُّجَّارُ عَنِ الْبَيْعِ، وَتَوَقَّفَ الطُّهَاةُ عَنِ الطَّبْخِ، وَتَوَقَّفَ الكُلُّ عَنْ عَمَلِهِ آخِذِيْنَ اسْتِرَاْحَةً، وَبَدَؤُوا يَسْتَمِعُونَ إِلَى حِكَايَاتِ بَعْضِهُمُ الْبَعْض.

تَرَكَ سَائِقُ الْحَافِلَةَ حَافِلَتَهُ لِيَسْتَمِعَ لِلْحِكَايَاتِ، نَسِيَ قَاطِعُ التَّذَاكِرِ حَقِيبَةَ التَّذَاكِرِ وَالنُّقُودَ فِي الْحَافِلَةِ لِأَنَّهُ انْشَغَلَ بِإلِقَاءِ الْحِكَايَاتِ عَلَى الرُّكَّابِ، تَوَقَّفَتِ الْقِطَارَاتُ عَن الْعَمَلِ لِانْشِغَالِ السَّائِقِينَ بِالْحِكَايَاتِ، تَوَقَّفَتْ طِبَاعَةُ الصُّحُفِ وَتَوَقَّفَ بِنَاءُ الْمُنْشَآتِ، تَوَقّفَتِ الْمَطَاعِمُ عَنْ خِدْمَةِ الزَّبَائِنِ وَتَوَقَّفَ الصَّيَّادُونَ عَنِ الصَّيْدِ.

كُلُّ مَنْ بِالْمَدِينَةِ تَوَقَّفُوا عَنْ عَمَلِهِمْ وَانْشَغَلُوا بِالْحِكَايَاتِ.

تَوَقَّفَ سَاعِي الْبَرِيدِ عَن إِيصَالِ الْخِطَابَاتِ لِانْشِغَالِهِ بِالْحِكَايَاتِ.

تَوَقَّفَ شُرْطِيُّ الْمُرُورِ فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ لِيَحْكِيَ لِلسَّائِقِينَ الْحِكَايَات وَ أَطْفَأَ سُكَّانُ الْمَدِينَةِ أَجْهِزَةَ التِّلْفَازِ لِيِسْتَمِعُوا إِلَى الْحِكَايَاتِ.

قَلِقَ عُمْدَةُ الْمَدِينَةِ بِسَبَبِ تَوَقُّفِ النَّاسِ عَنِ الْعَمَلِ، وَعَقَدَ اجْتِمَاعًا طَارِئًا لِمَجْلِسِ الْوُزَرَاءِ. أَخَذَ العُمْدَةُ يَجُوبُ الْغُرْفَةَ ذَهَابًا وَإِيَابًا بَيْنَ أَعْضَاءِ مَجْلِسِ الْوُزَرَاءِ فِي قَصْرِهِ الْمُطِلِّ عَلَى الشَّاطِئِ وَهُوَ يَتَسَاءَلُ: مَا العَمَلُ؟! لَا أَحَدَ يَعْمَلُ فِي الْمَدِينَةِ!، وَانْشَغَلَ الْجَمِيْعُ بِالْحِكَايَاتِ.

أَخَذَ مَجْلِسُ الْوُزَرَاءِ فِي وَضْعِ خُطَطٍ وَإِصْدَارِ قَرَارَاتٍ لِيَعُوْدَ النَّاسُ لِعَمَلِهِمْ وَلَكِنْ دُونَ فَائِدَةٍ أَوْ إصْغَاءٍ مِنْ أَحَدْ.

 

فِي النِّهَايَةِ، تَمَّ اسْتِدْعَاءُ دُعَاء وَالطِّفْلَةِ إِلَى بَيْتِ الْعُمْدَةِ الْمُطِلِّ عَلَى الشَّاطِئِ، بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ مَجْلِسُ الْوُزَرَاءِ أَنَّهُمَا الْمَسْؤُولَتَانِ عَنْ كُلِّ هَذَهِ الْحِكَايَاتِ الَّتِي مَلَأَتِ الْمَدِيْنَة.

وَقَفَتِ الطِّفْلَةُ الصَّغِيرَةُ فِي الْحُجْرَةِ الْكَبِيرَةِ ذَاتِ السَّقْفِ الْمُرْتَفِعِ وَالأَعْمِدَةِ الطَّوِيْلَةِ وَهِيَ تُمْسِكُ بِيَدِ دُعَاء.

حَتَّى دُعَاءُ، كَانَتْ صَغِيرَةَ الْحَجْمِ مُقَارَنَةً بِرِجَالِ مَجْلِسِ الوُزَرَاءِ طِوَالِ الْقَامَةِ وَضِخَامِ الْجَسَدِ. لَمْ يِبْتَسِمْ أَحَدٌ لَهُمَا، بَلْ نَظَرُوا لَهُمَا نَظَرَاتَ عِتَابٍ وَتَوْبِيخٍ.

 

تَسَاءَلَ الْعُمْدَةُ بِصَوْتِه الْعَالِي الْجَهُوْرِيِّ: هَذِهِ الْحِكَايَاتُ أَوْقَفَتِ الحَيَاةَ فِي مَدِينَتِنَا، فَمَا الْعَمَلُ؟

سَادَ الصَّمْتُ أَرْجَاءَ الْغُرْفَةِ. الصَّوْتُ الْوَحِيْدُ الْمَسْمُوعُ كَانَ هَمْهَمَةً خَافِتَةً بَعِيدَةً لِبُسْتَانِيِّ الْقَصْرِ وَهُوَ يَحْكِي حِكَايَةً لِلْحَارِس، بَيْنَمَاْ تَمَسَّكَتِ الْفَتَاةُ بِيَدِ دُعَاء بِإِحْكَامٍ.

نَظَرَتْ دُعَاءُ لِلعُمْدَةِ وَقَالَتْ بِصَوْتٍ وَاثِقٍ: إِجْعَلْ هَنَالِكَ حِكَايَةً وَاحِدَةً فِيْ الصَّبَاحِ، وَأُخْرَى فِيْ الْمَسَاءِ، هَكَذَا سَيَتَمَتَّعُ النَّاسُ بِالْحِكَايَاتِ وَيَرْجِعُونَ إِلَى أَعْمَالِهٍم.

صَاحَ الْعُمْدَةُ: فِكْرَةٌ سَدِيدَةٌ!

صَفَّقَ مَجْلِسُ الْوُزَرَاءِ وَابْتَسَمُوا لِلْفَتَاتَيْنِ. شَعَرَتِ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ بِالرَّاحَةِ وَخَفَّفَتْ قَبْضَتَهَا عَلَى يَدِ دُعَاء.

رَجَعَ النَّاسُ إِلَى أَشْغَالِهِمْ، وَعَادَتِ الْحَيَاةُ إِلَى طَبِيعَتِهِا، وَمُنْذُ ذَلِكَ اليَوْمِ تُحْكَى حِكَايَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الصَّبَاحِ وَأُخْرَى فِي الْمَسَاءِ.

وَمُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَصْبَحَتِ الْمَدِينَةُ الْكَبِيرَةُ تُسَمَّى مَدِينَةَ الْحِكَايَاتِ.

 

آخر الإضافات

Scroll to Top