مبادرة ض التطوعية

دائرة الحياة

خلاصة القصة

رحلة البحث عن سلوك وقيم: استكشاف قصة دائرة الحياة


يتعلم النسر الصغير كيف تولد حياة جديدة من الموت، فلا يوجد نهاية سيئة وحزينة بالمطلق ودائمًا هناك فجر بعد الظلام.

فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، كَانَ هُنَاكَ نَسْرٌ صَغِيرٌ يَعِيشُ مَعَ أُمِّهِ فَوْقَ أَحَدِ الْجِبالِ.

وَعِنْدَمَا كَبِرَ النَّسْرُ اللَّطِيفُ، بَدَأَتْ أُمُّهُ في تَعْلِيمِهِ كَيْفِيَّةَ الطَّيَرَانِ عَلَى مَسَافَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ والتَّحْلِيقِ بَعِيدًا.

 فَأَخَذَا يَطِيرَانِ سَوَيًّا فِي السَّماءِ وفَوْقَ قِمَمِ الْجِبالِ الْمُرْتَفِعَةِ فِي شَكْلِ دَائِرِيٍّ، وَ يَصْنَعانِ بِجَنَاحَيْهِمَا فِي الْهَواءِ حَلَقاتٍ رَائِعَةَ الْمَنْظَرِ. 

قَالَت الأُمُّ: سَوْفَ أُرِيكَ شَيْئًا رَائِعًا.

 وَبَيْنَمَا كَانَ النَّسْرُ الصَّغِيرُ وَأُمُّهُ يُحَلِّقانِ فِي السَّمَاءِ، لَاحَظَا أَنَّ هُنَاكَ أَحَدَ الظِّباءِ يَسِيرُ مُتَرَنِّحًا بِسَبَبِ الْحَرَارَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الصَّحْرَاءِ، حَتَّى كادَ يَسْقُطُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.

وَفَجْأَةً، وَقَعَ الظَّبْي عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ الإِعْياءِ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّسْرُ الصَّغِيرُ مُشْفِقاً، وَقالَ لِأُمِّهِ:هَذَا لَيْسَ شَيْئًا رَائِعًا، يَا لَهُ مِنْ مَنْظَرٍ مُحْزِنٍ جِدًّا.

 نَعَمْ يا عَزِيزِي، إِنَّهُ أَمْرٌ مُؤَسِّفٌ لِلْغَايَةِ، وَأَعْتَقَدُ أَنَّ هَذَا الظَّبْيَ الْمِسْكِينَ لَنْ يَعِيشَ طَوِيلًا.

دَمَعَتْ عَيْنا النَّسْرِ الصَّغِيرِ حُزْنًا عَلَى الظَّبْيِ الْمِسْكِينِ، وَقالَ لِأُمِّهِ: أَحْقًا يَا أُمِّي، سَيَمُوتُ هَذا الْحَيَوانُ الْجَمِيلُ الْآنَ؟

قالت الأم: لِلْأَسَفِ يا عَزِيزِي، الْمَوْتُ أَمْرٌ مَحْزِنٌ جِدًّا، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ سَيِّئًا عَلَى أيَّةِ حالٍ.

 فَتَعَجَّبَ الصَّغِيرُ مِنْ كَلامِها وَقَالَ: كَيْفَ لا يَكُونُ الْمَوْتُ سَيِّئًا يا أُمِّي؟

فَأَجابَتْهُ الْأُمُّ: سَتَعْرِفُ ذَلِكَ لَاحِقًا يَا عَزِيزِي، دَعْنا نَأْتِي هُنَا إِلَى نَفْسِ الْمَكانِ بَعْدَ فَتْرَةٍ، وَسَتَفْهُمُ مَا أَقْصِدُ.

فِي الْأُسْبُوعِ التَّالِي، ذَهَبَتِ الْأُمُّ بِصُحْبَةِ صَغِيرِها لِزِيارَةِ نَفْسِ الْمَكانِ الَّذِي ماتَ فِيهِ الظَّبَيُّ الْمِسْكِينُ، فَشَاهَدا مَنْظَرًا عَجِيبًا، فَقَدْ تَحَوَّلَ جِسْمُ الظَّبِي إِلَى هَيْكَلٍ عَظْمِيٍّ أَبْيَضَ اللَّوْنِ، وَبَدَأَتْ بَعْضُ النَّبَاتَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ فِي النُّمُوِّ بَيْنَ الْعِظَامِ.

بَعْدَ مُرُورِ أُسْبُوعٍ آخَرٍ، لَاحَظ النَّسْرانِ أَنَّ الْحَشَائِشَ والنَّبَاتَاتِ الصَّغِيرَةَ الَّتِي الْتَفْتَ حَوْلَ جُثَّةِ الظَّبِي، قَدْ نَمَتْ وَازْدَهَرَتْ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ، وَتَفَتَّحَتْ بَعْضُ الْأَزْهَارِ الرَّقِيقَةِ أَيْضًا، والْتَفَّتَ الْفِرَاشَاتُ الْجَمِيلَةُ حَوْلَهَا لِتَسْتَنْشِقَ رَحِيقَهَا الْجَذَّابَ.

وَبَعْدَ مُرُورِ أُسْبُوعٍ آخَرَ،اجْتَمَعَتِ الْعَصَافِيرُ لِتَبْنِي عُشًا لَهَا فَوْقَ عِظَامِ الظَّبِي، وَمَجْمُوعَاتُ النَّحْلِ كانَتْ تَحْصُلُ عَلَى رَحِيقِ الْأَزْهَارِ الرَّقِيقَةِ الَّتِي نَمَتْ هُنَاكَ، لِتَصْنَعَ عَسَلَها الشَّهِيَّ الْمُفِيدَ، ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي اتَّخَذْتْ فِيهِ أُنْثَى الْعَنْكَبُوتِ مَكَانًا مُمَيَّزًا لَهَا بَيْنَ قَرْنِيَ الظَّبْيِ الرَّاقِدِ فِي سَلامٍ، لِتَنْسُجَ خُيُوطَ مَنْزِلِهَا الْجَدِيدِ فِي رَاحَةٍ تَامَّةٍ.

وَبِمُرُورِ الْوَقْتِ، بَدَأَتِ الْحَشائِشُ والنَّبَاتَاتُ وَالْأَزْهارُ فِي النُّمُوِّ أَكْثَرَ وَأَكْثَر، فَجَاءَتِ الظِّبَاءُ الْأُخْرَى لِتَأْكُلَ مِنْها وَتَسُدَّ جُوعَها.

نَظَرَتِ الْأُمُّ إِلَى صَغِيرِها قائِلَةً: هَلْ عَلِمْتَ اْلآنَ مَا هِيَ الحِكْمَةُ مِنْ مَوْتِ الظَّبْيِ، إِنَّها دَائِرَةُ الْحَيَاةِ، لَقَدْ حَقَّقَ مَوْتُهُ الْعَدِيدَ مِنَ الْفَوَائِدِ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقاتِ، فَهَا هِي الْعَصَافِيرُ قَدْ امْتَلَكَتْ عُشًّا لَهَا، والنَّحْلُ وَالْفَرَاشَاتُ حَصَلُوا عَلَى غِذائِهِمْ، وَأسَّسَ الْعَنْكَبُوتُ بَيْتَهُ الرَّقِيقَ فِي أَمَانٍ تَامٍّ. أَمَّا الظِّباءُ الْأُخْرَى، فَقَدْ حَصَلْتْ عَلَى طَعامِها الْيَوْمِيِّ مِنَ الْحَشَائِشِ، لِذَا فَالْمَوْتُ يَا عَزِيزِي قَدْ يَكُونُ مُؤَلَّمًا ولَكِنَّهُ لَيْسَ سَيِّئًا. 

وَبِمُرُورِ الْوَقْتِ، بَدَأَتِ الْحَشائِشُ والنَّبَاتَاتُ وَالْأَزْهارُ فِي النُّمُوِّ أَكْثَرَ وَأَكْثَر، فَجَاءَتِ الظِّبَاءُ الْأُخْرَى لِتَأْكُلَ مِنْها وَتَسُدَّ جُوعَها.

وَهُنَا نَظَرَ إِلَيْها الصَّغِيرُ مُبْتَسِمًا وقالَ: حَسْنًا، لَقَدْ فَهِمْتُ الْآنَ يَا أُمِّي.

وَبَعْدَ أَنْ عَلَّمَتْ الْأُمُّ ابْنَها هَذا الدَّرْسَ الْهامَ، حَلَّقَ الثَّنَائِيُ الرَّائِعُ بَعِيدًا فِي السَّمَاءِ، لِيَعُودا سَوَيًّا إِلَى مَنْزِلِهِما الْجَمِيلِ فَوْقَ الْجَبَلِ.


وَبَعْدَ أَنْ حَصَلَ النَّسْرانِ عَلَى قِسْطٍ منَ الرَّاحَةِ، أكْمَلَتِ الْأُمُّ حَدِيثَهَا مَعَ صَغِيرِها قائِلَةً: عِنْدَمَا نَمُوتُ يَا عَزِيزِي، فَإِنَّنَا لَا نَتْرُكُ أَجْسَامَنَا عَلَى الْأَرْضِ فَقَطْ كَيْ يَسْتَفِيدَ مِنْهَا الْآخَرُونَ مِثْلَمَا حَدَثَ مَعَ الظَّبْي، بَلْ نَتْرُكُ أَيْضًا أَفْكَارَنَا وَأَخْلَاقَنَا وَالْكَثِيرَ مِنَ الذِّكْرَيَاتِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي نُفُوسِ الآخَرِينَ مِنْ بَعْدِنا، لِذَا عَلَيْنا أَنْ نَسْتَثمِرَ حَيَاتَنَا فِي مُسَاعَدَةِ مَنْ حَوْلَنا وَتَعْلِيمِهِمْ بَعْضَ الدُّرُوسِ الهَامَّةِ، كَيْ يَتَذَكَّرُوهَا بَعْدَ رَحِيلَنَا وَيَسْتَفِيدُوا مِنْها فِي حَياتِهِمْ.

فَتَسَاءَلَ الصَّغِيرُ: وَأَيْنَ يُمْكِنُنا تَرْكُ أَفْكَارِنَا وَأَخْلَاقِنَا بَعْدَ مَوْتِنا؟

نتْرُكُ كُلَّ ذَلِكَ فِي عُقُولِ وَنُفُوسِ مَنْ نُحِبُّ، وَبَخَاصَّةٍ أَطْفَالُنَا، مِثْلَمَا أَفْعَلُ مَعَكَ الآنَ يَا عَزِيزِي، وَذَلِكَ لِيَكُونُوا خَلَفًا صالِحًا مِنْ بَعْدِنا.

آخر الإضافات

Scroll to Top