مبادرة ض التطوعية

خلاصة القصة

تتناول القصة سيرة حياة لويس برايل الذي فقد بصره، ولكنه لم يستسلم بل اخترع كتابةً خاصةً بالمكفوفين، واستطاع أن ينير عالمهم باختراعه هذا.

مترجمة محلّفة لدى المحاكم اللبنانية، كاتبة في أدب الطفل، مدرّبة على الكتابة وعضو مجلس إدارة كرسي الطفولة لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. تؤمن بقدرة الكتابة على المساهمة في صقل شخصية الطفل وتهيأته ليكون مواطنا صالحا ونشطا في مجتمعه وتسعى من خلال كتاباتها إلى تعزيز تقبل الآخر المختلف بما لا يتنافى مع قيمنا الدينية والاخلاقية والاجتماعية.

مصممة ورسامة تتمتع بشغف كبير في مجال الرسم والتصميم.

بدأت رحلتها الفنية كمصممة، حيث كان لديها دائماً رؤية تجميلية تميزت بروح الطفولة. وهذه كانت بداية التطلع على عالم الطفل وكل ما يتعلق به، واكتشفت انها تجد فيه توجيها لموهبتها الفنية.

عملت مع عدة دور نشر في الجزائر وعدة كتاب وعملاء من مختلف الوطن العربي، كما كان لها دور في تأليف مجموعة قصصية موجهة للطفل، وكان لهذه التجارب العملية دور كبير في تطوير مهاراتها وتوسيع آفاقها وطموحاتها. آية عوفي تعبر عن عالم الأطفال بألوانها وخيالها، وتسعى دائمًا لنقل الفرح والإبداع من خلال أعمالها الفنية.

«وُلِدَ لويس. وُلِدَ لويس»، 

أخبرتني أمّي بأنّ والِدي ركضَ وهتفَ هكذا بأعلى 

صوتِه في شَوارعِ  مَدينة كوبفراي الفرنسية فَرحاً بولادتي. 

طَبعاً لا أذكرُ ذلك. وتقولُ أيضاً بأن الشَّمس دخلتْ 

بيوتَ جميعِ النَّاسِ يَومها. طبعاً أنا لا أذكرُ ذلكَ أيضاً!

لطالَما عَشِقتُ مٌراقبةَ الشَّمسِ وهي تسحبُ خُيوطَها 

عندَ المغيبِ، وعشقتُ رُؤيةَ النَّحلاتِ وهي تَرتشفُ رحيقَ الأزهارِ، 

وعشقتُ كذلك قَضاءَ الوقتِ مع أَبي في مشْغلِ تصنيعِ الجلودِ.

 كلُّ ما في حياتي كان مُشَِّعاً بَرّاقاً زاهياً بالألوانِ؛ ولكنْ كلُّ شيءٍ تغيّرَ.

ذات مرّةٍ، وأنا في المشغلِ، أخذتُ ألهو بمثقابين 

وجدتُهما هناك. رحتُ أركضُ وأقفزُ في المكانِ فزلّتْ 

قَدَمي وتعثرتُ ووقعتُ، وأصابَ المثقابُ عيني 

فانطفأتْ وبهتتِ الألوانُ رويداً رويداً. 

وبعد مدّةٍ انطفأتِ العينُ الثانيةُ بسبب عدوىً أصابَتها وصارتْ كلُّ الألوانِ سوداءَ كاللّيلِ. لم أغادرِ البيتَ لأيّامٍ طويلةٍ. كيف سأتنقلُ وأنا لا أبصرُ؟

 كيف سَأمشي دونَ أن أتعثّرَ والظلامُ يَلُفّني؟ 

وفي إِحدى الأيّامِ دخلَ أبي إلى البيتِ فرِحاً.

– صَنعتُ لك هديّةً. 

– حقاً؟  أمسكَ أبي بيدي لألمسَ هديّتي.

– إنها عصاً يا أبي. أليستْ كذلك؟

– بَلى يا صَغيري.

– وماذا سأفعلُ بعصاً؟

«ستفعلُ الكثيرَ» قالَ لي،

 ثُمَّ بدأَ يُعلِّمني كيفَ أَمْشي بِاستخدامِها. 

صِرتُ أتنقلُ في أنحاءَ المدينةِ دونَ أنْ أخْشى الوقوعَ، 

شعرتُ بأن الحياةَ تبتسِمُ منْ جديدٍ.

في المدرسةِ، شَجَّعَني أساتذتي على التَّعلمِ. 

وشَجعوا والدايَ كَذلك:

«إنه فذّ»، «لويس عبقريٌّ، سيد سيمون»، 

«يجبُ أنْ يحصلَ على تَعليمٍ أكثرَ، سيدة رينيه».

حتى أنني حَصلتُ على منحةٍ تعليميَّةٍ من معهدٍ للمكفوفينَ 

اليافعينَ في باريس، وانتقلتُ إلى العاصمةِ لأُكملَ تَعليمي.

هناك تغيّرتْ حياتي. تعرّفتُ إلى الموسيقَى التي كانتْ بمثابةِ 

خَيطٍ من النَُورِ شجعني على التعلّمِ أكثر. تعلّمتُ وتفوّقتُ 

وقرأتُ بالَّلمسِ كلَّ الكتبِ التّي صُمِّمتْ خِصيصاً 

للمكفوفين، وكان عددُها قَليلاً جداً لأن تَصميمَها صَعبٌ 

للغايةِ، وصِرتُ مُدرّساً في المعهدِ مع أني لمْ أبلغِ 

الخامسةَ عشرَ منْ عُمْري.

اشتقتُ إلى الشَّمسِ، وإلى مُراقبةِ النَّحلاتِ. 

علمتُ جيداً أنني لن أراها يوماً، وذلك ما زادَ فُضولي 

يوماً بعد يومٍ. أردتُ أن أعرفَ أين تغادرُ الشَّمسُ 

عِندما تَغيبُ، وماذا تفعلُ الزهراتُ بالرحيقِ، 

وماذا اكتشفَ العلماءُ من جَديدٍ. 

كلَُ الأجوبةِ على أَسْئلتي كانتْ موجودةً في كُتب المُبصرينَ فقط، وتَساءلتُ: «ألا يَحقُّ للمكفوفينَ الارتواءُ من بحورِ العلمِ أيضاً؟». صِرتُ أعملُ ليلاً ونهاراً على ابتكارِ طَريقةٍ سهلةٍ لتصمِيم كتبٍ للمكفوفين.

وفي أحد الأيامِ، زار المَعهدَ ضابطٌ فرنسيٌّ اسمُه شارل بارييال 

وأخبرَني عن ابتكارهِ طريقةً للكتابةِ، اسْمُها «الكتابةُ الليليةُ»، 

وقدِ اسْتخدمها كَطريقةٍ سرِّيةٍ للتواصلِ مع الجنودِ. 

لمْ تكنْ هذهِ الطريقةُ سهلةً، ولكنَّها مَهَّدتِ الطريقَ 

لي لأخترعَ كِتابةً خاصةً بالمكفوفين تَعتمدُ على تَمريرِ الأصابعِ 

على حروفٍ مَكتوبةٍ بنتوءاتٍ بارزةٍ، من واحدٍ إلى ستةِ نُتوءاتٍ.

صِرتُ أكتبُ باستخدامِ طَريقتي، وعَلّمتُ طُلَّابي 

القراءةَ والكتابةَ بِواسطتها أيْضاً.

«طريقةٌ سَهلةٌ يا أستاذ»، «أنت بارعٌ»، 

«نستطيعُ القراءةَ دون مَشقةٍ».

في كُلِّ مرّةٍ سَمعتُ فيها تِلك العباراتِ 

تَذكَّرتُ والدي والمَشغلَ.

وتَذكرتُ كَذلك الحادثةَ التي أفقدتني بَصري لأنني

 استخدمتُ في اخْتراعي مِثقاباً يُشبه المِثقابَ 

الَّذي أفْقدني بَصري، وتَأمَّلتُ حِكمةَ القَدرِ: 

مِثقابٌ أطفأَ نُورَ عَينيَّ، وآخرُ أنارَ العالمَ منْ حَولي.

آخر الإضافات

Scroll to Top