مبادرة ض التطوعية

خلاصة القصة

تحكي القصة عن سباقٍ جري بين الأولاد، إذ يتسابق الفتى البطل مع منافسٍ ضخمٍ وطويلٍ، فيخسر البطل السباق. توضح القصة للقارئ الصغير أثر الكلمة السيئة في النجاح والحياة، وتعلمه اتخاذ قراراتٍ متمهلةٍ قبل أن يتفوه بالكلمات، فيدرك أن لها دورًا كبيرًا في إحباط الآخرين وسقوطهم وفشلهم. دعونا نتابع سويا مجريات الأحداث في القصة الشيقة وما تعلمه البطل ووصل إليه في الختام.

حاصلة على بكالوريوس علم الحاسوب من كلية الملك عبد الله الثاني لتكنولوجيا المعلومات في الجامعة الأردنية عام 2002. وهي معلمة حاسوب في المدارس العمرية وعضوة في اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين. حصلت على جوائز أدبية منها فوزها بمسابقة الكتابة الإبداعية لدار المعرفة للنشر عام 2018 في مجال الرواية بروايتها “أغثني” وفوزها بالمركز الأول في مسابقة دار الإبداع للقصة القصيرة في دورة القاص والمترجم الراحل صالح عمر الشريف عام 2020 بقصتها “ملاذ آمن”. ولها العديد من الأعمال الأدبية والمشاركات في الأدب الأردني، بما في ذلك سلسلة قصصية للأطفال بعنوان “مكارم الأخلاق” ورواية “أغثني” وغيرها من الأعمال الأدبية والمشاركات الأخرى.

مصممة ورسامة تتمتع بشغف كبير في مجال الرسم والتصميم.

بدأت رحلتها الفنية كمصممة، حيث كان لديها دائماً رؤية تجميلية تميزت بروح الطفولة. وهذه كانت بداية التطلع على عالم الطفل وكل ما يتعلق به، واكتشفت انها تجد فيه توجيها لموهبتها الفنية.

عملت مع عدة دور نشر في الجزائر وعدة كتاب وعملاء من مختلف الوطن العربي، كما كان لها دور في تأليف مجموعة قصصية موجهة للطفل، وكان لهذه التجارب العملية دور كبير في تطوير مهاراتها وتوسيع آفاقها وطموحاتها. آية عوفي تعبر عن عالم الأطفال بألوانها وخيالها، وتسعى دائمًا لنقل الفرح والإبداع من خلال أعمالها الفنية.

سأخبِرُكم سِرّاً… لديّ أجنِحَةٌ خَفِيّة…

 أجنحَةٌ من ريشٍ… هل تَعَجَّبتم؟ 

أخي فِراس تَعَجَّبَ أيضا ًحينَ نَمَتْ لي فجأةً، واسْتَطعْتُ الطيَّرانَ بِها أمام َعَيْنيْه! سأحَدِّثُكم عنها إذَن. 

بَدأ الأمْرُ حينما اجْتَمَعَ أهلُ القَرْيَةِ لبَدْءِ سِباقِ الجَري. كنتُ أقِفُ مُسْتَعِدًّا عِنْدَ خَطّ البِدايَةِ أنْتَظِرُ وُصولَ مَن يُنافِسُني.

لمْ ينْسَ أخي فراس أنْ يشتريَ فَطيرَةَ الكَرَزِ المُفَضَّلَةَ لدَيَّ، ليُقَدِّمَها لي قَبْلَ السّباقِ، فأكَلْتُها واسْتَجْمَعْتُ قِوايَ.

وَقَفَ بِجِواري الفَتى “سامي”، مُتَباهِياً بِبُنْيَتِه الرِّياضِيّة والقَوِيّة، وفَارداً كَتِفَيْه ِالْعَريضَيْن، ثم مدَّ ساقَيْه الطّويلَتَيْنِ بعد أنْ رَبَطَ شَرائِطَ حِذائِهِ الرّياضِيِّ بسُرْعَةٍ. 

التَفَتَ سامي إليّ بوَجْهِه العابِسِ ثم ابْتَسَمَ ساخِراً، فشَعَرْتُ بالخَوْفِ؛ لَسْتُ سِوى فَتىً قصيرٍ مُقارَنَةً بهذا المُنافِسِ الضَّخْمِ. قال سامي مُسْتَهْزِئاً: “لَنْ تَفوزَ أبَدًا أيّها القَصير. لَسْتَ ذَكِيّاً مِثْلي. بُنْيَتُك ضَعيفَةٌ كقِطّةٍ… انْظُرْ إليّ جَيّداً، سَأهْزِمُكَ حَتْماً”. 



نَهَضَتْ كَلِماتُهُ السّوْداءُ أمامي على هَيْئَةِ وَحْشٍ كَبيرٍ. جَفَّ حَلقي فَجْأةً، وبَدا الشُّحوبُ على وَجْهِي. هَتَفَ فراس باسْمي ليشَجِّعَني، فحاوَلْتُ أنْ أثْبُتَ على قدميَّ الْمُرْتَعِشَتين … إلّا أنَّ وَحْشَ الكَلِماتِ كان قَدْ نَفَذَ داخِلي، وأحْدَثَ دَمارًا مِثلَ هَزَّةٍ أرْضِيّةٍ.

بَدَأ جَسَدي يَصْغُرُ ويَصغُر … 

بينما كانَ وحْشُ الكَلِماتِ يَكْبُرُ ويَكْبُر … 

حتّى بَدا عِملاقاً. 

فجأةً … أحْسَسْتُ بِثِقَلٍ فَوْقَ كَتِفَيّ، فرَأيْتُ الوَحْشَ يتَسَلّقُ إلى الأعْلى! كانَ ثَقيلاً كَصَخْرَةٍ. حينما سَمِعْتُ الصّافِرَةَ مُعْلِنَةً بَدْءَ السِّباق، انْطَلَقَ سامي سَريعًا كَفَهْدٍ، بَيْنَما كُنْتُ أزْحَفُ كَحَلَزونٍ.

وَصَلَ سامي إلى خَطِّ النِّهايَةِ قَبْلي، وفازَ في السّباقِ، فاحْتَشَدَ الفِتيانُ حَوله يُهَنّئونَه، ويَهْتِفونَ بِاسْمِهِ. ما مِن أحَدٍ إلّا وقَدْ صَفَّقَ لَهُ بِحَرارَةٍ … حتّى وَحْشُ الْكَلِماتِ صَفَّقَ لَهُ. 

أمْضَيْتُ بَقِيّةَ الْيَومِ وأنا أشْعُرُ بِالْمَرَض، رَغْمَ أنّي لمْ أكُنْ مَريضاً. فراس كانَ حَزيناً أيضاً؛ لأنّي فَقَدْتُ حَماسي وشَهِيَّتي وضِحْكَتي التي يُحِبّها. كان يَبْذُلُ ما في وُسْعِه لمُواساتي، إلا أنّي لمْ أسْتَطِعْ أنْ أبْتَسِمَ أو أن ألْعَبَ معه.

لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَرَّةَ الأولى الّتي يَضْرِبُني فيها وَحْشُ الْكَلِماتِ … ضَرَبَني مَرّةً عِنْدَما سَمِعْتُ ابنَ الجيرانِ يَتَحَدَّث عنّي بِسُوءٍ، وَضَرَبَني كذلك عِنْدَما حَصَلتُ على علاماتٍ مُتَدَنِّيَةٍ في المَدْرَسة، وَمَرّةً ضَرَبَني مِن دون قَصْدٍ … ومَرَّةً تَعَمَّدَ ذَلِك.

أقرّرُ فَجْأةً أنْ أهْرُبَ … أنْ أجْريَ أمْيالاً مُتَتالِيَةً … بَعيدًا … بَعيدًا، إلّا أنّي في النّهايَةِ لا أهْرُبُ إلى أيّ مَكانٍ، وتَبْقى الكَلِماتُ السّوْداءُ تَطْرُقُ رَأسي طَــــــوالَ الْوَقْت.

في اليَوْمِ التّالي، شَجَّعني فراس على المُشارَكَة في سِباقٍ جَديدٍ. تَرَدَّدْتُ مُتَسائِلا: أيُّ وَحْشٍ سَيَضْرِبُني هذِه الْمَرّة؟! ثمّ قُلتُ: “لسْتُ بالفائِزِ في الأمْسِ، ولكِنّي لسْتُ بالجَبانِ أيْضًا”، وقَرَّرْتُ الاشْتِراكَ في السّباقِ.

هناك، دَعا فراس جَميعَ أصْدِقائه ليَهْتِفوا 

لي ويُشَجّعوني. عانَقَني أخي وقالَ: 

“أحِبُّك، وأثِقُ بِك. أنت تَسْتَطيعُ الْفَوْزَ بلا شَكّ،

 فأنْتَ تَمْتَلِكُ أقوى ساقيْن في العالَم. 

أنتَ أوْفى أخٍٍ وصَديقٍ على الإطْلاق … وإلى الأبَد”. 

فجْأةً … نَهَضَتْ كَلِماتُه البَيْضاءُ أمامي على هَيْئَةِ حَمامَةٍ كَبيرَةٍ، وبَدَأتْ تَنْثُرُ ريشًا وزَهْرًا.

أخَذَتِ الكَلِماتُ تَزْرَعُ الرّيشَ في صَدْري 

حتّى نَمَتْ لي أجْنِحَةٌ، فمَنَحَتْني قُوّةً ليْسَ لها نَظيرٌ. 

ارْتَفعَ جَسَدي في الهَواءِ، 

وفَرَدْتُ أجْنِحَتي، فَتَناثَرَتِ الضّحكات … والزَهْرات …

حينَما سَمِعْتُ الصافِرَةَ مُعْلِنَةً بَدْءَ السّباقِ، 

طِرْتُ بأجْنِحَتي الْخَفِيّةِ عــــاليًا، عـــــاليًا … 

حاوَلَ وَحْشُ الْكَلِماتِ السَوْداء أنْ يخْرُجَ مِن أعْماقي 

ليَضْرِبَني كالسّابِق، لكنّي رَفْرَفْتُ بِأجْنِحَتي الخَفِيّةِ، 

وطرتُ. لَسْتُ أبالي بالوَحْشِ، فلَمْ يعُدْ مُهِمًّا؛

لَقَدْ كانَ صَغيرَا جِدًّا …  أصْغَر مِنْ حَشَرَةٍ ضَعيفةٍ  غَيْرِ مُضِرّةٍ.

شَعَرْتُ لَحْظَتَها أنّي أكبُر وأكبُر … وأنّي أطيــــــــرُ … 

أسرعتُ كصَقرٍ لا ينْهَزِم، 

فوصلتُ إلى خطّ النهاية قبل “سامي”، وفزتُ في السباق.

انْبَهَرَ الْجَميعُ ممّا حَدَثَ، واحْتَشَدوا حَولي. كانوا يَشْعرونَ بالفَخْرِ والإعْجابِ ببطولتي. رأيتُ فراس سَعيدًا أكثر من أيّ يومٍ مضى، وازدادَ فَخْري لأنّي كُنتُ السّبَبَ في سَعادَتِه.

دنا سامي العابسُ منّي مُبتَسِمًا، وقالَ بفَخْر: “يَبْدو أنّنا سَنُصبحُ أصْدِقاء أيّها العدّاء الماهِرُ “. 

فصافحتُه وقلتُ: “الصّداقَةُ تَسْتَمِرُّ بالمَحَبّةِ والوَفاء …

 إذا وَعَدْتَني أنْ تبْتَسِمَ وتَتَوَقَّفْ عن العُبوسِ، سَتَكونُ صَديقًا جَيّدًا بلا شَكٍّ”. 

فَضَحِكْنا مِلءَ فاهَينا …  

كانَ يَومًا لا يُنسى عَلِقَ في ذاكِرَتي إلى الأبَد. 

ما زِلتُ أسْمَعُ صَوْتَ الضحكاتِ والهُتافاتِ حتى الآن. 

لمْ أعُدْ أخْشى شَيْئًا؛ فأنا أمْتَلِكُ أجْنِحَةً 

خَفِيَّةً مَليئةً بِالأزْهارِ، تُحَلّقُ بي عاليًا فَوْقَ الأسْوارِ. 

أنْثُرُ الحُبَّ مِن أجْمَل الْكَلِمات؛ 

فَيتَوَهَّجُ السُّرورُ الذي ألْمَحُهُ في عُيونِ مَن حَوْلي.

 

والآن … هَلْ حَدَثَ مَعكم ذلِكَ يومًا؟ 

حَدِّثوني عَن أجْنِحَتِكم الخَفِيّة…

آخر الإضافات

Scroll to Top